يطرح عشية كل انتخابات في الجزائر سواء أكانت الانتخابات الرئاسية، او البرلمانية، أو الولائية او البلدية سؤال أساسي يرتبط بطبيعة توجهات الناخبين الجزائريين، او نواياهم الانتخابية. وتعد توجهات الناخبين المدخل الأساسي لمعرفة طبيعة تفاعل مختلف مكونات المجتمع مع الاحزاب السياسية الفاعلة على الساحة الوطنية، توجهات من شانها أن تساهم في تحديد التراتبية فيما بين الاحزاب و وزنها الانتخابي ، بل وحتى تحديد الخارطة السياسة للبلد. وحتى يلعب رصد توجهات الناخبين دورا في التقليل من حجم المفاجآت عند الإعلان عن نتائج الانتخابات. لكن لماذا تبقى الانتخابات في الجزائر ، على غرار العديد من الدول العربية التي تعرف بدورها إنتخابات، مجالا لامعرفيا لا يمكن رصده والتنبؤ بنتائجه؟ . هل يعود هذا الى غياب مؤسسات مختصة في رصد الآراء واستطلاعات الراي العام وخاصة الاستطلاعات السياسة في الجزائر؟ ام ان هاذا الوضع يعود لغياب خيارات سياسية ثابتة للناخبين الجزائريين التي قد تعيق من بلورة توجهاتهم الانتخابية عند كل استحقاق؟ ام ان هذا الواقع يعود الى عزوف الجزائريين عن المشاركة في الانتخابات مما قد يصعب من عملية تقدير طبيعة توجهاتهم؟ ام هي طبيعة الثقافة السياسية في الجزائر وإدارة الإنتخابات ؟
ظلت صناعة الراي العام وتوجيهه في الجزائر في ظل الحزب الواحد ولمدة عقود من الوظائف الطبيعة لمختلف مؤسسات الدولة-الحزب عبر مختلف المنظمات الجماهرية الفئوية والمهنية، إتحاد العام للعمال الجزائريين، إتحاد الشبيبة الجزائرية، الاتحاد النسائي، إتحاد الفلاحين…. وغطت هذه الصناعة حتى المهاجرين الجزائريين عبر ودادية الجزائريين. مؤسسات نشطت عبر توظيف الاجهزة الاعلامية الحكومية في تحديد القضايا الاساسية التي من شأنها تأطير الراي العام في الجزائر ، سواء أكانت القضايا الوطنية او القضايا الدوليـة لكن دون قياس مستويات تجاوب مكونات المجتمع. لتتبلور صناعة الراي العام من القمة. ولتبرز في ظل الأحادية الحزبية اطر تحكم صياغة الراي العام في الجزائر.
أما منذ بداية الإنتفتاح الديموقراطي وإعتماد احزاب سياسية جديدة، تعدد الخطاب السياسي في الجزائر ، لكن دون ان يمس ذلك صناعة الراي العام، التي بقيت حكرا على مؤسسات الدولة ووسائلها الإعلامية الثقيلة. ويعود ذلك لأسباب متعددة منها محدودية إمكانيات الأحزاب الجديدة ، وافتقارها لاساليب العمل السياسي ولأطر بشرية مؤهلة. لتبقى وحتى في ظل التعددية الحزبية عبر كل الإنتخابات التي عرفتها الجزائر منذ 1990، معرفة التوجهات الإنتخابية للجزائريين ونواياهم الانتخابية امرا غائبا عن التسائل والمعرفة والبحث، ليتواصل البحث في معرفة احد الاطر المؤسسة للإنتخابات تشارك احزابا متعددة منها الحزب الحاكم وأحزاب تسمى بأحزاب المعارضة، والمتمثلة في معرفة التوجهات الإنتخابية للجزائريين. يتبدو الإنتخابات في الجزائر مفتوحة النتائج و لا يمكن التنبؤ بها او رصدها أو تحديد ملامحها، لتطغى بذلك على الإنتخابات سمة الإبهام.
مما لاشك فيه ان بلورة ملامح الراي العام في الجزائر وخاصة توجهاته السياسية ونواياه الإنتخابية، ليس بالأمر اليسير، نظرا لطبيعة التركيبة البشرية للجزائر ووزن الشباب فيها، يضاف الى ذلك عزوفهم عن المشاركة السياسية. لكن بلورة ملامح الراي العام لا تربط إلا بالمحددات البنيوية للمجتمع، بل تتأثر كذلك بالواقع السياسي والمشروع المجتمعي والمستقبلي للاحزاب السياسية ومدى فاعليتها لجلب مختلف مكونات المجتمع، سواء أكانت احزاب قديمة او جديدة، لأن تدني مشاركة الجزائريين في الانتخابات الاخيرة يجد أحد تبريراته في تراجع إنخراط فئات مجتمعية واسعة في برامج الاحزاب السياسية في الجزائر. ناهيك عن تراجع دور للمثقفين والنخب السياسية والثقافية في بلورة توجهات الراي العام في الجزائر. هذا و لايمكن التقليل من دور غياب التقاليد و الإنتماءات السياسية والحزبية الراسخة داخل المجتمع في تحديد وبلورة التوجهات الأنتخابية لمختلف مكوناته، حتى وإذا سلمنا ان الخيارات السياسية والحزبية لا تورث، با إنها تتجدد وتتحول.
إن بلورة الراي وخاصة التوجهات السياسية لمختلف مكونات المجتمع، هي نتاج لسيرورة تارخية يشترك فيها مجوعة من الفاعلين السياسين، والمجتمعيين، والنخب السياسية والثقافية، ترتبط اساسا بالواقع السياسي للدول و خاصة واقعها الديموقراطي.، لذا يشترط في التحول الديمقراطي المعتمد على أحزاب سياسية، إدماج ادوات جديدة تسمح بقياس تاثير الواقع السياسي الجديد على المجتمع من خلال الترخيص لمؤسسات رصد الراي العام بما فيها التوجهات السياسية لمختلف مكونات المجتمع، ونواياهم الإنتخابية. يضاف إشراك مختلف الفاعلين في هذا المشروع، حتى لا تبقى معرفة التوجهات الإنتخابية للجزائرين مجرد تكهنات لبعض الفاعلين والمؤسسات، التي تتكلم بإسم الشعب الجزائري وتضفي على خطابها شرعية تجاوزها الدهر.