تصل نسبة صادرات التكنولوجيا المتقدّمة في إسرائيل إلى 16% من مجموع صادراتها من السلع المصنوعة، في المقابل لا تتجاوز النسبة في العالم العربي الـ3%. إذ تغنم الدولة العبرية سنوياً أكثر من 11.8 مليار دولار من صادرات التكنولوجيا المتقدمة، ولكنها تنفق 4.9% من نتاجها الإجمالي سنوياً على البحث العلمي والتطوير.
وتشمل صناعات التكنولوجيا المتقدّمة المنتجات القائمة على البحوث العلمية ومنها الصناعات العسكرية المتطورة والصناعات الطبية والصيدلانية والأنظمة الزراعية التكنولوجية وأجهزة الإدارة الذكية والمراقبة والشرائح الإلكترونية وأنظمة الدوائر المتكاملة والحواسيب.
ورغم الثورة التكنولوجية الهائلة التي شهدها العالم خلال العقد الأخير إلا أن نصيب العالم العربي من الصناعات التكنولوجية المتقدمة ومن سوقها العالمي لا يزال ضئيلاً جداً، ولم يشهد تطوراً كبيراً خلال هذه الفترة قياساً لما شهدته بقية الدول النامية.
في العام 1992 كانت نسبة صادرات التكنولوجيا المتقدّمة من مجموع صادرات العالم العربي من السلع المصنوعة لا تتجاوز الـ 1% وبعد أكثر من 22 عاماً بلغت النسبة 3% فقط، على الرغم من الطفرة التكنولوجية التي شهدها العالم خلال هذين العقدين، في منطقة لا تخصص دولها أكثر من 0.8% من دخلها القومي للبحث العلمي سنوياً حداً أقصى.
المغرب وتونس في الريادة
حافظت كل من المغرب وتونس على الريادة العربية في مجال تصدير التكنولوجيا المتقدمة. وارتفعت قيمة الصادرات المغربية من 537 مليون دولار سنة 2000 إلى 950 مليون دولار في عام 2013. في المقابل ارتفعت القيمة في تونس من 154 مليون دولار إلى 616 مليون دولار خلال نفس الفترة، وزادت نسبة صادرات التكنولوجيا المتقدمة من مجموع صادرات السلع الصناعية من 2%إلى 5%.
ويعود التفوق المغربي والتونسي في هذا المجال إلى الشركات الأجنبية الأوروبية التي نقلت نشاطها أو جزء منه إلى هذين البلدين منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، بعد أن وقعا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي حصلت بموجبه هذه الشركات على تسهيلات كبيرة في مجال الاستثمار في المجال الضريبي مقابل أن تقوم بتشغيل اليد العاملة المحلية. واستفادت شركات تصنيع السيارات والشرائح الإلكترونية المستعملة في الحواسيب وأجهزة التلفاز والاتصالات من اليد العالمة الرخيصة والتسهيلات الاستثمارية التي وجدتها في تونس والمغرب، كما استفادت وبشكل كبير من وجود يد عاملة ماهرة ومدربة وكفاءات تحمل درجات علمية عالية في مجال الهندسة والتكنولوجيا وتقبل بدخل أقل بكثير مما يطلبه نظراؤها في أوروبا.
إلى جانب الاستثمار الخارجي يوجد تطور في المؤسسات المحلية في تونس والمغرب في مجال الصناعات التكنلوجية المتقدمة، مستفيدةً من مناخ تشجيع البحث العلمي والتطوير، فتونس الدولة التي لا يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين نسمة يوجد بها أكثر من 18 مركز أبحاث مصنف دولياً. في المقابل نلاحظ غيابا تاماً للكثير من الدول العربية عن خارطة صادرات التكنولوجيا المتقدمة رغم ما تملكه من إمكانيات مالية وبشرية كبيرة. فالعراق وليبيا خارج التصنيف تماماً رغم مداخيل النفط الهائلة التي يحققها البلدان الغارقان في أزمات أمنية وسياسية منذ سنوات. أما الجزائر فقد شهدت انتكاسة واضحة حيث كانت تصدر ما قيمته أكثر من 21 مليون دولار من التكنولوجيا المتقدمة سنة 2000 لكن الرقم تراجع إلى حدود 3 مليون دولار فقط في عام 2013، على الرغم من الثراء المادي والبشري لهذا البلد.
قفزة خليجية
شهدت أغلب الدول الخليجية تطوراً نوعياً في حجم صادراتها من التكنولوجيا المتقدّمة خلال العقد الأول من القرن الحالي. إذ تضاعفت قيمة الصادرات الخليجية من التكنولوجيا المتقدمة أكثر من ثلاث مرات، باستثناء قطر. الإمارات التي جاءت في المرتبة الثالثة عربياً كانت فيها قيمة الصادرات التكنولوجية لا تتجاوز 5 ملايين دولار في العام 2000 لترتفع إلى حدود 457 مليون دولار في العام 2013. وكذلك الشأن في السعودية التي ارتفعت فيها قيمة الصادرات من 21 مليون دولار إلى 288 مليون بين عام 2000 و2013. أما في الكويت فقد قفزت قيمة الصادرات من 1.5 مليون دولار سنة 2000 لتبلغ 84 مليون دولار في عام 2013، وتضاعف المبلغ ثلاث مرات في عمان خلال نفس الفترة، وفقاً لأرقام نشرها البنك الدولي.
ويعود هذا التطور الخليجي إلى الإمكانات المالية الهائلة التي تملكها هذه الدول من عائدات النفط والغاز، والتي دعمت سياسات تطوير البحث العلمي والتعليم العالي، إذ تتصدر المؤسسات التعليمية الخليجية قائمة أفضل الجامعات في العالم العربي وخاصة في التخصصات العلمية والتقنية والتكنولوجيا.
كما شكلت السياسات الحكومية التي انتهجتها الدول الخليجية خلال السنوات الأخيرة دافعاً كبيراً لنمو صناعات التكنولوجيا المتقدمة وصادراتها نحو الخارج. إذ تسجل هذه الدول مراتب متقدمة في المؤشرات العالمية لسهولة نشاط الأعمال عموماً، ومؤشرات ريادة الأعمال على وجه الخصوص، قياساً لبقية مناطق العالم العربي.
وفي مجال السياسات أيضاً، تحولت منطقة الخليج إلى بيئة جذب للمواهب والكفاءات من خلال حزمة تشريعات وإجراءات حكومية، لعل أخرها ما أعلنته السلطات الإماراتية من إطلاق منظومة تأشيرات لدخول الدولة تركز على استقطاب الكفاءات والمواهب الاستثنائية في المجالات الطبية والعلمية والبحثية والتقنية والفكرية.