خيانة للذاكرة الموريسكية الجريحة!!!

حملت إلينا الأنباء هذه الأيام (منتصف شهر فيفري 2014) كيف أن البرلمان الإسباني أقر قانونا جديدا يمنح بموجبه الجنسية الإسبانية لليهود السفاريد الذين أطردوا من الأندلس في مارس 1492.

ووفقا للتقارير الصحفية هناك حوالي ثلاثة ملايين من اليهود سيتزاحمون على السفارات والقنصليات الإسبانية عبر العالم للحصول على الجنسية الإسبانية الموعودة، وهذا ما يترجم عن قوة الخط التصاعدي للإعلام الدولي للتأثير المباشر على البرلمانيين الإسبانيين للموافقة على هذا القانون الجديد. وللتذكير فقط، ومع الرجع التاريخي فقد ألقى جلالة الملك الإسباني خوان كارلوس خطابا في مارس 1992 قدم فيه اعتذارا لليهود لطردهم التعسفي من الأندلس، وأن جلالته يرفض حتى يومنا هذا أي اعتذار للمسلمين والذين أهدوا لإسبانيا منظومة حضارية متكاملة.
وللعلم كنت وجهت منذ 22 سنة إلى جلالته ثلاث رسائل في هذا المعنى راجيا من جلالته التفضل بإقرار أن ما حصل لمأساة طرد الموريسكيين لا يمكن قبوله إطلاقا وأن الدولة الاسبانية لها واجب الاعتراف بذلك والاعتذار علانية للعالم العربي والإسلامي.
إن عدم الاهتمام بالمطالبة بهذا الاعتذار المغيب أصلا من تفكيرنا وسلوكنا ومناهجنا التربوية والجامعية هي إدانة مباشرة لوجودنا السياسي وتنكرنا المطلق للذاكرة الموريسكية الجريحة حول تراجيديا طرد الموريسكيينمن الأندلس سنة 1609.
وفي هذا السياق غيبت جامعات العالم العربي والإسلامي ومراكزه العديدة ومنظماته عدم مساهمتها للمطالبة بهذا الاعتذار، وقد طالبنا الجميع بمنح هذه الحقبة الزمنية كل الاهتمام بتدريسها وإدخالها في مناهجنا التربوية بالمعاهد وأقسام التاريخ، إلا أن أحدا لم يعر نداءنا منذ ثلاثة عقود أي اهتمام على الإطلاق سواء أكان ذلك في الجامعات العربية أو المنظمات المعنية بالثقافة والتربية والعلوم وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ومن المخجل لنا حقا أن ينادي أبرز الأساتذة في هذا الاختصاص وهو العلامة لوي كاردياك الفرنسي للمطالبة بالقيام بحملة إعلامية جماعية بهذا الحق التاريخي وإنه سيكون أكثر سعادة وامتنانا إذا ما تحقق هذا المطلب وعلى الرغم من تجاوزه سن الثمانين ونيف في خدمة التاريخ الموريسكي، سيحتفل بطريقته الخاصة !
وعليه كم هو بائس حقا موقف العرب والمسلمين الذين بحكم عدم مطالبتهم أسبانيا رسميا بالاعتذار لما حصل لطرد الموريسكيين من أندلسيتهم، ساهموا بصمتهم وعدم مطالبتهم بحزم وإصرار إسبانيا بهذا الاعتذار الحضاري وأنهم يتحملون المسؤولية الكاملة في هذا الموقف، وهي لعمري وصمة عار في جبينهم جميعا ودون استثناء.
ومع هذا لم نطلب من اسبانيا منح المائة ألف موريسكي الذين احتضنتهم تونس يومئذ ووفرت لهم الأمن والآمان وكذا الخمسين ألف احتضنهم المغرب الأقصى والثلاثين ألف احتضنتهم الجزائر وهناك بضعة آلاف احتضنتهم الدولة العثمانية، منحهم الجنسية الأسبانية، إذ مطلبنا يندرج فقط في السياق الحضاري والإنساني، وأن ما قدمه العرب لإسبانيا خلال ثمانية قرون هو أبلغ وأثمن رسالة حضارية لإسبانيا والإنسانية جمعاء وهي مفخرتنا جميعا، بل أذهب إلى الاعتقاد أن العرب المسلمين قد خانوا تاريخهم الأندلسي والموريسكي بصفة أخص وتنكروا له، وتساءلي هل سيستفيق ضمير العرب و المسلمين يوما ما لتشكيل وعي جماعي فاعل ويطالب البرلمانيين الإسبانيين أن يتبنوا موقفا مشرفا ونبيلا ويأخذوا قرارا جريئا وتاريخيا بتقديم الاعتذار الذي سوف نبقى نطالب به على الدوام !
والتساؤل المحير هل سيستفيق هذا الضمير العربي والإسلامي بعد هاته الأحداث الأخيرة، ليتبنوا موقفا تاريخيا ؟ إني مع أسفي العميق أشكك أن يكون العرب والمسلمون في موعد مع التاريخ ؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *