هذا ما قاله رئيس الأورغواي…

خلال منتدى الراصد الاجتماعي في مونتيفيديو، عاصمة الأورغواي، فاجأنا الرئيس المتواضع موهيكا بالحضور رفقة حارس وسكرتيرة فقط. وبعد أن اعتذر عن تأخره بضع دقائق بسبب صعوبة تحركه إثر حادث سير، وبعد مقدمة بسيطة للأمين العام روبرتو بيسوا، تحدّث الرئيس موهيكا بتلقائيةٍ عن بلاده والعالم، وأعرض فيما يلي بعض ما قال.
تحدّث أولاً عن حال العالم اليوم، وقال إنه كما قال الشاعر هيرناندوس: «اليوم أريد أن أضع قلبي تحت قدمي. اليوم نتبين أن النضال من أجل حقوق الإنسان طريق طويل، وكالسير وسط الألغام». صحيح أن الإنسان من خلال العلم حقّق الكثير من التقدم، ولكنه في الوقت ذاته أهدر الكثير من الموارد والإمكانيات بسبب جشعه ورعونته. لقد خلق الإنسان الحضارة الحالية ولكن دون قيادة مسئولة، والحال هو أن ذيل الكلب يقود الكلب وليس العكس، كما يقولون. نحن بحاجةٍ إلى قادةٍ يفكّرون بشكل علمي في تعقيدات هذا العالم. القادة حالياً يفكرون بالماكرو Macro، وينسون الناس (اللي تحت)، والبلديات، والمجالس المحلية.
عن الاقتصاد العالمي قال موهيكا بأنه «انتقل من القاعدة الصناعية والإنتاجية إلى المضاربة المالية، وهذا ما يؤدي إلى تقلب الأسعار والأزمات المالية وما تسببه من أزمات، وارتفاع الأسعار خصوصاً التي يعتمد عليها الناس في حياتهم مثل القمح. وقد أضحت المعايير المستخدمة في النظام الدولي مطاطة في كل شيء، في السياسة والاقتصاد، وفي الديمقراطية وحقوق الإنسان وعلاقات الدول، وتُفصّل بحسب مصالح الدول الكبرى والشركات العظمى. وانفجار الأزمة المالية في 2008 يعبّر عن جوهر العولمة المنفلتة».
وفي تحليله لأداء الأحزاب السياسية في العالم، قال رئيس الأوروغواي، أن الأحزاب الحاكمة منشغلةٌ بالفوز في الانتخابات القادمة، وبالتالي لا تنكبّ على معالجة المشاكل المتجذّرة وطرح الحلول البعيدة المدى، لأنها تفكّر بإعادة انتخابها فقط». وأضاف: «الطبيعة وُجِدت قبلنا وستبقى بعدنا، ولذلك علينا الاعتناء بها وليس تدميرها». وأن علينا الآن وضع جدول أعمال للعالم ومستقبله، وأن نتحمّل جميعاً مسئولية الحفاظ على البيئة العالمية والسلام العالمي وازدهار الشعوب. وبالنسبة لنا في الأورغواي، فإن لنا تصورات بشأن أهم مكوّنات هذه الأجندة، وهي القطاع المالي والتبذير واللاجدوى في التصرف بموارد العالم، فائض البشرية أي فائض الجهد البشري واستثماره».
وفي لفتة فلسفية مهمة، قال موهيكا: «لقد طرحت الماركسية مقولة أن تغيير الأوضاع الموضوعية للإنسان يؤدي إلى تغيير بنيته الذهنية وأفكاره، لكن ذلك لم يحدث تماماً، فمع تقدّم الأوضاع المادية للبشرية، تنتشر أفكار التعصب والكراهية والجشع. لقد تطورت البشرية فارتفع معدل الحياة من 40 سنة إلى 70 سنة. الإنسان بحاجة إلى سيارة بسيطة واقتصادية لتنقله، وليس إلى سيارة فراري الفاخرة التي تستهلك الموارد، ولقد سمعت أن مرور دبي تستخدم الفراري. يا للعجب! لماذا علينا أن نبدّل الهاتف النقال كل ثلاثة أشهر، لماذا لا يعيش لثلاث سنوات؟ إن ذلك تبذير للموارد وإنفاق استهلاكي باذخ لا لزوم له وعلى حساب احتياجات أكثر أهمية».
وأضاف: «الإنسانية تواجه تحدياً قاسياً، وعلينا أن نكون أهلاً لذلك. هناك فائض بشري، أي البشر الذين لا يستطيعون العمل (العاطلون) أو العاملون جزئياً أو شكلياً (بطالة مقنعة)، أو الذين لا يحتاجون العمل (العاطلون الذوات)، وهذا تبذير في الرأسمال البشري. وفي مؤتمر كيوتو للمناخ، أثبت العلماء ظاهرة التغير المناخي العالمي، والآن أضحينا نعيش فعلاً الكوارث المناخية، دون أن نعمل الكثير لمعالجة ذلك، وهو بمقدورنا. لدينا في العالم كثير من الطفيليات وكثيرون يفكرون بعقليات بالية، وأنا أؤمن بالطبقات الاجتماعية، ولكن ليس بالصراع الطبقي، لأننا ننتمي جميعاً للإنسانية، ويجب أن نتعامل مع بعضنا بحضاريةٍ».
وأوضح الرئيس المتواضع بأنه عادةً ما يصحو كل يوم عند الساعة الرابعة والنصف فجراً، ويغتسل ويشرب قهوته، ثم يبدأ بقراءة كتاب، وكتابه حالياً عن «الحياة في جزر بولينيزيا بالمحيط الهادي»، حيث بدأت الحياة، وكان أهلها يعيشون حياةً بسيطةً هانئةً قبل وصول الرجل الأبيض وتدميره لحياتهم، فما الذي جعلهم ينقلون حضارتهم من هذه الجزر البعيدة والمنعزلة إلى آسيا وأميركا اللاتينية؟ ذلك لغز البساطة والتعقيد.
هذه بعض أفكار أفقر رئيسٍ في العالم مادياً، وأغناهم قِيَمياً. وأتمنى أن تترجم كتاباته وخطاباته إلى العربية، فقد نجح في الإسهام بتطوير مجتمع ناجح ومتحاب رغم الإمكانيات المحدودة لبلاده، وجسّد كيف يكون المسئول الأول مثل أي مواطن عادي، تبرع بـ 90 في المئة من مخصّصه كرئيس، ويعيش بـ 10 في المئة في بيت بسيط في إحدى ضواحي مونتيفيديو، ويعمل بعد وقت الدوام في مزرعةٍ بسيطةٍ يأكل من نتاجها، وتخلّى عن القصر الجمهوري ليعمل في فيلا من طابقين.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *