الإنتخابات التشريعية المقبلة: التداعيات المحتملة قطب ثالث بين القطبين الكبيرين؟

إذا كان من السابق لأوانه الحديث عن الانتخابات التشريعية المقبلة، من منطلق احتمالات الاستقطاب الثنائي ، فمتسع الوقت لا يسمح بالوثوق من ذلك ، ونتائج استطلاعات الرأي لا يمكن الاطمئنان إليها بصفة مطلقة، زيادة على أنها لا يمكن أن تعطي إلا صورة آنية لحاضر قد يكون متغيرا، فإن ذلك يبقى اليوم فرضية عمل يمكن اعتمادها، دون التسليم المطلق بها.
وإذا سلمنا بأن أحد الحزبين الكبيرين أي “حزب حركة النهضة”، و”حزب نداء تونس”، وهما المتصدران لواقع نتائج الاستطلاعات اليوم سيحتل أحدهما المرتبة الأولى فيما سيحتل الآخر المرتبة الثانية، فإن لا أحد منهما باعتماد نظام الاقتراع المتجه للأخذ به، قادر وحده على تشكيل الحكومة لانعدام أغلبية مطلقة، فإنه وفي حالة غياب ما يقال عن صفقة بين الحزبين ، سيكون من الضرورة اللجوء إلى طرف أو أطراف ثالثة لتوفير أغلبية حكم، كما حصل بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، عندما اضطر “حزب حركة النهضة”، إلى رافدين اثنين هما “حزب المؤتمر” و”حزب التكتل”، لتوفير أغلبية كانت مريحة.
من هنا وسواء هم الأمر “حزب حركة النهضة”، أو “حزب نداء تونس” ، فمن سيكون الرافد أو من ستكون الروافد اللازمة للحكم.
مرة أخرى من السابق لأوانه الحديث عن ائتلاف حكومي مقبل، فالحديث عن ذلك يبدو بالنسبة للأحزاب المرشحة لتكون رافدا وكأنه عائق أمامها في الانتخابات، ومن هنا وفي ما عدا “الطيب البكوش” أمين عام “حزب نداء تونس” الذي أعلن لوكالة “الأناضول” التركية عدم استبعاد الدخول في مثل هذا الائتلاف مع “حزب حركة النهضة” فلا أحد غامر بالإعلان عن احتمالات دخوله في ائتلاف مع أي كان.
واستقراء الخارطة السياسية اليوم يجعل مستبعدا، دعوة “الجبهة الشعبية” من أي طرف للدخول في حكومة مقبلة، رغم احتلالها الموقع الثالث في عمليات سبر الآراء، كما إنه مستبعد قبولها من جهتها الدخول في حكومة مقبلة، إما لأنها ستنتمي إلى مرجعية دينية، أو لأنها ستتحرك من موقع نمط اقتصادي ليبرالي، عدا النمط المجتمعي المناقض للنمط الذي تدعو له “النهضة”، فما هي الاحتمالات الأخرى الباقية؟
إن كل التوقعات، تفيد بأنه لا ينبغي بيع جلد الدب قبل اصطياده، فـ”الحزب الجمهوري” لم يقل كلمته الأخيرة بعد ، وقد يكون الرقم الصعب الذي ربما يحتاجه هذا الطرف أو ذاك، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية، إذا كانت جرت قبل الانتخابات التشريعية، ولعله في هذه الحالة يسترجع بريقا فقده، بسبب إصرار من “أحمد نجيب الشابي” على نيل رئاسة للجمهورية، حسبما يعتقد الكثير من خصوصمه.
إذن ما هي التداعيات المحتملة بعد انتخابات تشريعية ما زالت زمنيا بعيدة، وليس مؤكدا أنها ستجري قبل نهاية العام ، رغم طبيعة النص الدستوري، الذي كان خاطئا من هذه الناحية؟
هناك احتمالان اثنان، على الأقل انطلاقا من استقراء النتائج المعلنة، لاستطلاعات الرأي في الوضع الحالي، وكصورة لواقع اليوم، كل هذا إن صحت:
** ففي حالة ما إذا كان “حزب حركة النهضة” جاء في المرتبة الأولى، وتمت دعوته لتشكيل الحكومة بحكم النص الدستوري، فهو يتمتع بمخزون من الأحزاب الدائرة في فلكه، والتي تقبل ” بالمشاركة” معه في الحكم، منها طبعا “المؤتمر” و”التكتل” الذين عرفا تآكلا وتهرئة كبيرين بفعل الانسلاخات الكثيرة وما تولد من رحم كل منهما من أحزاب عديدة ، ولكن أيضا “حركة وفاء” وحزب “محمد عبو” التيار الديمقراطي، مع احتمال وجود أحزاب أخرى صغيرة وعديدة ومنها “حزب المحبة”، هذا إذا كان لها حظ في دخول البرلمان، والحاجة إلى تلك الأحزاب ومددها بالنسبة لـ”لنهضة” مرتبط بأهمية الأغلبية النسبية التي ستحوزها، ومدى الحاجة لعدد من الأحزاب الأخرى الصغيرة التي يتضاءل دورها في القرار طردا مع وزنها العددي البرلماني.
** وفي حالة العكس وإذا ما إذا جاء “حزب نداء تونس” مرفوقا بتجمع “الاتحاد من أجل تونس” بأطيافه المختلفة في المرتبة الأولى من حيث عدد النواب في البرلمان، فإنه هو الذي سيكون مدعوا لتشكيل الحكومة، وفي هذه الحالة فإنه هو الآخر سيكون في حاجة لأحزاب أخرى، ويقدر المراقبون أن التسابق للالتحاق به ونيل مناصب وزارية سيكون أكبر، وسيكون في أول الساعين هنا أيضا “المؤتمر” و”التكتل”، ولكن الرقم الأهم ، ولن يكون ذلك لا مستبعدا ولا مستحيلا “الحزب الجمهوري” الذي قد يفاجئ الجميع بوزن أكبر مما يعتقد الكثيرون اليوم ولعله يكون القطب الثالث، فيما إن التشكيلات الأخرى المنسلخة عنه سيكون لها دور مؤكد مثل آفاق والديمقراطي وخاصة المجد، الذي يقوم بعمل في العمق ربما ظهرت آثاره قريبا في الاستفتاءات وأيضا الأحزاب الدستورية وخاصة “حزب المبادرة”.
ولعل عنصر المباغتة الفعلي ، سيكون قائما على أن أحزابا معينة”، ستجدها على استعداد لتكون مع هذا الطرف أو ذاك من المرشحين الاثنين للصدارة، رغم اختلاف المرجعية، ورغم اختلاف النمط المجتمعي المطروح.
غير أن اللعبة تكون أكبر، إذا ظهر أن “النداء”و”النهضة”اتفقا، على ظهر كل الآخرين، في ظل صفقة مرسومة بعد ملامحها، على قيام تحالف حكومي بينهما، ليس في حاجة لمدد من أي كان.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *